فصل: (سورة الروم: الآيات 1- 5).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ودليل العامّة {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم: 27] قال الربيع بن خيثم والحسن: وهو هيّن عليه وما شيء عليه بعزيز، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، وهذا كقول الفرزدق:
إنّ الذي سمك السماء بنا لها ** بيتًا دعائمُهُ أعزّ وأطولُ

أي عزيزة طويلة.
وقال آخر:
لعمركَ إنَّ الزبرقان لباذل معروفه ** عند السنين وأفضلُ

أي فاضل.
وقال مجاهد وعكرمة: الإعادة أهون عليه من البدأة أي أيسر. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس: ووجه هذا التأويل أنّ هذا مَثَل ضربه الله تعالى، يقول: إعادة الشيء على الخلق أهون من ابتدائه فينبغي أن يكون البعث أهون عليه عندكم من الإنشاء. وقال قوم: وهو أهون عليه، أي على الخلق، يُصاح بهم صيحة فيقومون، ويقال لهم: كونوا فيكونون أهون عليهم من أن يكونوا نطفًا ثمّ علقًا ثمّ مضغًا إلى أن يصيروا رجالًا ونساء. وهذا معنى رواية حسان، عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عبّاس واختيار قطرب.
{وَلَهُ المثل الأعلى} أي الصفة العليا {في السماوات والأرض} قال ابن عبّاس: ليس كمثله شيء. وقال قتادة: مثله أنّه لا إله إلاّ هو ولا ربّ غيره. {وَهُوَ العزيز الحكيم}.
قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسكُمْ هَلْ لَّكُمْ مّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} منْ عبيدكم وإمائكم {مّن شُرَكَاءَ في مَا رَزَقْنَاكُمْ} من المال {فَأَنتُمْ} وهم {فيه} شرع {سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ} قال ابن عبّاس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا، وقيل: تخافون هؤلاء الشركاء أن يقاسموكم أموالكم كما يقاسم بعضكم بعضًا، وهذا معنى قول أبي محلز، فإذ لم تخافوا هذا من مماليككم ولم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء؟ وأنتم وهم عبيدي وأنا مالككم جميعًا، فكما لا يجوز استواء المملوك مع سيّده فكذلك لا يجوز استواء المخلوق مع خالقه.
ثمّ قال: {كَذَلكَ نُفَصّلُ الآيات لقَوْمٍ يَعْقلُونَ بَل اتبع الذين ظلموا أَهْوَاءَهُمْ بغَيْر علْمٍ فَمَن يَهْدي مَنْ أَضَلَّ الله وَمَا لَهُمْ مّن نَّاصرينَ فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا فطْرَتَ الله}.
دين الله وهو نصب على المصدر أي فطر فطرة. ومعنى الآية: إنّ الدّين الحنيفية، فطرة الله {التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} وقيل: نصب على الإغراء. {لاَ تَبْديلَ لخَلْق الله} لدين الله، أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل، ظاهره نفي ومعناه نهي، هذا قول أكثر العلماء والمفسّرين. وقال عكرمة ومجاهد: لا تغيير لخلق الله من البهائم بالخصاء ونحوه.
أخبرنا محمد بن عبدالله بن حمدون، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء؟» قال: ثمّ يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم {فطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} الآية.
وأخبرني عبدالله بن حامد قال: أخبرني أبو بكر محمد بن جعفر المطيري، عن أحمد بن عبدالله بن يزيد المؤدّب عن عبد الرزاق، وأخبرنا أبو سعيد التاجر قال: أخبرني أبو حامد الشرقي، وحدّثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر والسلمي، قالوا: قال عبد الرزّاق عن معمر عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه قال: «ما من مولود إلاّ يولد على هذه الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه كما تنتجون البهيمة فهل تجدون فيها من جدعاء حتّى تكونوا أنتم تجدعونها؟ قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين».
وقال الأسود بن سريع: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات وأنّ قومًا تناولوا الذرّية بالقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام قتلوا المقاتلة ثمّ تناولوا الذرّية؟» فقال رجل: يا رسول الله إنّما هم أولاد المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ خياركم أولاد المشركين، والذي نفسي بيده ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فما يزال عليها حتّى يبيّن عنه لسانه فأبواه يهوّدانه وينصّرانه».
وروى قتادة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه: «إنّ الله أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني في يومي هذا وأنّه قال: إن كلّ مال نحلته عبادي فهو لهم حلال وإنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأَمَرتُهُم أنْ يشركوا بي ما لم أُنزّلْ به سلطانًا» وذكر الحديث.
قال أبو بكر الورّاق: فطرة الله التي فطر النّاس عليها هي الفقر والفاقة. {ذَلكَ الدين القيم} المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الروم مكية، إلا آية 17 فمدنية وآياتها 60، نزلت بعد الانشقاق.
بسْم اللَّه الرَّحْمن الرَّحيم.

.[سورة الروم: الآيات 1- 5].

{الم (1) غُلبَت الرُّومُ (2) في أَدْنَى الْأَرْض وَهُمْ منْ بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ (3) في بضْع سنينَ للَّه الْأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ (4) بنَصْر اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ (5)}.
القراءة المشهورة الكثيرة غُلبَت بضم الغين. وسيغلبون بفتح الياء. والأرض: أرض العرب، لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم. والمعنى: غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام. أو أراد أرضهم، على إنابة اللام مناب المضاف إليه، أي: في أدنى أرضهم إلى عدوّهم. قال مجاهد: هي أرض الجزيرة، وهي أدنى أرض الروم إلى فارس. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: الأردن وفلسطين. وقرئ: في أدانى الأرض. والبضع ما بين الثلاث إلى العشر عن الأصمعى. وقيل: احتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى، فغلبت فارس الروم، فبلغ الخبر مكة فشق على النبي صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين، لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا: أنتم والنصارى أهل الكتاب، ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنّ نحن عليكم، فنزلت. فقال لهم أبو بكر رضى اللّه عنه: لا يقرّر اللّه أعينكم، فو اللّه لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى بن خلف. كذبت يا أبا فصيل، اجعل بيننا أجلا أنا حبك عليه. والمناحبة: المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضى اللّه عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر ومادّه في الأجل. فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين. ومات أبىّ من جرح رسول اللّه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين. وقيل: كان النصر يوم بدر للفريقين، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبى، وجاء به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: تصدّق به. وهذه الآية من الآيات البينة الشاهدة على صحة النبوّة، وأن القرآن من عند اللّه لأنها إنباء عن علم الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه. وقرئ: غلبهم، بسكون اللام. والغلب والغلب.
مصدران كالجلب والجلب، والحلب والحلب. وقرئ: غلبت الروم، بالفتح. وسيغلبون، بالضم. ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم، وإضافة غلبهم تختلف باختلاف القراءتين، فهي في إحداهما إضافة المصدر إلى المفعول. وفي الثانية إضافته إلى الفاعل. ومثالهما مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إخْراجُهُمْ، وَلَنْ يُخْلفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. فإن قلت: كيف صحت المناحبة وإنما هي قمار؟ قلت: عن قتادة رحمه اللّه أنه كان ذلك قبل تحريم القمار. ومن مذهب أبى حنيفة ومحمد: أن العقود الفاسدة من عقود الربا وغيرها جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار. وقد احتجا على صحة ذلك بما عقده أبو بكر بينه وبين أبىّ بن خلف منْ قَبْلُ وَمنْ بَعْدُ أي في أوّل الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون، كأنه قيل: من قبل كونهم غالبين، وهو وقت كونهم مغلوبين. ومن بعد كونهم مغلوبين، وهو وقت كونهم غالبين، يعنى أن كونهم مغلوبين أوّلا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر اللّه وقضائه وَتلْكَ الْأَيَّامُ نُداولُها بَيْنَ النَّاس وقرئ: من قبل ومن بعد، على الجرّ من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه. كأنه قيل: قبلا وبعدا، بمعنى أوّلا وآخرا وَيَوْمَئذٍ ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعده اللّه عزّ وجل من غلبتهم {يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ بنَصْر اللَّه} وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له. وغيظ من شمت بهم من كفار مكة. وقيل:
نصر اللّه: هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم وقيل نصر اللّه. أنه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمهم، حتى تفانوا وتناقصوا، وفل هؤلاء شوكة هؤلاء وفي ذلك قوّة للإسلام. وعن أبى سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر، وفي هذا اليوم نصر المؤمنون وَهُوَ الْعَزيزُ الرَّحيمُ ينصر عليكم تارة وينصركم أخرى.

.[سورة الروم: الآيات 6- 7].

{وَعْدَ اللَّه لا يُخْلفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهرًا منَ الْحَياة الدُّنْيا وَهُمْ عَن الْآخرَة هُمْ غافلُونَ (7)}.
وَعْدَ اللَّه مصدر مؤكد، كقولك: لك علىّ ألف درهم عرفا، لأنّ معناه: أعترف لك بها اعترافا، ووعد اللّه ذلك وعدا، لأنّ ما سبقه في معنى وعد. ذمّهم اللّه عزّ وجل بأنهم عقلاء في أمور الدنيا، بله في أمر الدين، وذلك أنهم كانوا أصحاب تجارات ومكاسب. وعن الحسن.
بلغ من حذق أحدهم أنه يأخذ الدرهم فينقره بإصبعه، فيعلم أرديء هو أم جيد. وقوله يَعْلَمُونَ بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله ظاهرًا منَ الْحَياة الدُّنْيا يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها. وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة: يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة. وفي تنكير الظاهر: أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة الظواهر. و«هم» الثانية يجوز أن يكون مبتدأ. وغافلُونَ خبره، والجملة خبر «هم» الأولى، وأن يكون تكريرا للأولى، وغافلون خبر الأولى. وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع.

.[سورة الروم: آية 8].

{أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنْفُسهمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إلاَّ بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإنَّ كَثيرًا منَ النَّاس بلقاء رَبّهمْ لَكافرُونَ (8)}.
في أَنْفُسهمْ يحتمل أن يكون ظرفا، كأنه قيل: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أى:
في قلوبهم الفارغة من الفكر، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك: اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك، وأن يكون صلة للتفكر، كقولك:
تفكر في الأمر وأجال فيه فكره. وما خَلَقَ متعلق بالقول المحذوف، معناه: أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول. وقيل: معناه: فيعلموا، لأنّ في الكلام دليلا عليه.
{إلَّا بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} أي ما خلقها باطلا وعبثا بغير غرض صحيح وحكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة: وإنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة، وبتقدير أجل مسمى لابد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَفَحَسبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثا. والباء في قوله: {إلَّا بالْحَقّ} مثلها في قولك: دخلت عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه، تريد: اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام، غير منفك عنهما. وكذلك المعنى ما خلقها إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به، فإن قلت: إذا جعلت في أَنْفُسهمْ صلة للتفكر، فما معناه؟ قلت: معناه: أو لم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات، وهم أعلم وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها، فتدبروا ما أودعها اللّه ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الإهمال وأنه لابد لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكم الذي دبر أمرها على الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها، حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير وأنه لابد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت، والمراد بلقاء ربهم: الأجل المسمى.

.[سورة الروم: آية 9].

{أَوَ لَمْ يَسيرُوا في الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقبَةُ الَّذينَ منْ قَبْلهمْ كانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالْبَيّنات فَما كانَ اللَّهُ ليَظْلمَهُمْ وَلكنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلمُونَ (9)}.
أَوَ لَمْ يَسيرُوا تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمّرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية، ثم أخذ يصف لهم أحوالهم وأنهم كانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وحرثوها قال اللّه تعالى لا ذَلُولٌ تُثيرُ الْأَرْضَ وقيل لبقر الحرث: المثيرة. وقالوا: سمى ثورا لإثارته الأرض وبقرة، لأنها تبقرها أي تشقها وَعَمَرُوها يعنى أولئك المدمّرون أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوها من عمارة أهل مكة. وأهل مكة: أهل واد غير ذى زرع، ما لهم إثارة الأرض أصلا، ولا عمارة لها رأسا فما هو إلا تهكم بهم، وبضعف حالهم في دنياهم، لأنّ معظم ما يستظهر به أهل الدنيا ويتباهون به أمر الدهقنة، وهم أيضا ضعاف القوى، فقوله كانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً أي عاد وثمود وأضرابهم من هذا القبيل، كقوله أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ منْهُمْ قُوَّةً وإن كان هذا أبلغ، لأنه خالق القوى والقدر. فما كان تدميره إياهم ظلما لهم، لأنّ حاله منافية للظلم، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم.

.[سورة الروم: آية 10].

{ثُمَّ كانَ عاقبَةَ الَّذينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بآيات اللَّه وَكانُوا بها يَسْتَهْزؤُنَ (10)}.
قرئ عاقبة بالنصب والرفع. والسُّواى تأنيث الأسوأ وهو الأقبح، كما أنّ الحسنى تأنيث الأحسن. والمعنى: أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار، ثم كانت عاقبتهم سوأى إلا أنه وضع المظهر موضع المضمر، أي: العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة، وهي جهنم التي أعدّت للكافرين. وأَنْ كَذَّبُوا بمعنى لأن كذبوا. ويجوز أن يكون أن بمعنى: أى، لأنه إذا كان تفسير الإساءة التكذيب والاستهزاء كانت في معنى القول، نحو: نادى. وكتب، وما أشبه ذلك. ووجه آخر: وهو أن يكون أَساؤُا السُّواى بمعنى اقترفوا الخطيئة التي هي أسوأ الخطايا، وأَنْ كَذَّبُوا عطف بيان لها، وخبر كان محذوف كما يحذف جواب لما ولو، إرادة الإبهام.

.[سورة الروم: آية 11].

{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ (11)}.
ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ أي إلى ثوابه وعقابه. وقرئ بالتاء والياء.

.[سورة الروم: الآيات 12- 13].

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ منْ شُرَكائهمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بشُرَكائهمْ كافرينَ (13)}.
الإبلاس: أي يبقى بائسا ساكنا متحيرا. يقال: ناظرته فأبلس، إذا لم ينبس ويئس من أن يحتجّ. ومنه الناقة المبلاس: التي لا ترغو. وقرئ: يبلس، بفتح اللام، من أبلسه إذا أسكته منْ شُرَكائهمْ من الذين عبدوهم من دون اللّه وَكانُوا بشُرَكائهمْ كافرينَ أي يكفرون بإلهيتهم ويجحدونها. أو وكانوا في الدنيا كافرين بسببهم. وكتب {شفعواء} في المصحف بواو قبل الألف، كما كتب {علمؤا بنى إسرائيل} وكذلك كتبت {السوأى} بألف قبل الياء إثباتا للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها.